غزة / معتز شاهين:
وسط تصاعد الحديث عن تعثر مفاوضات وقف إطلاق النار في قطاع غزة، شكّك محللون سياسيون في جدوى التصريحات الأميركية والإسرائيلية التي تُحمّل حركة "حماس" مسؤولية فشل التوصل إلى اتفاق، واعتبروها محاولة لتضليل الرأي العام العالمي وتبرئة الاحتلال الإسرائيلي من عرقلة الصفقة.
وأجمع مختصان بالشأن السياسي أن تحميل المقاومة المسؤولية "طرح غير واقعي"، في وقت يُجمع فيه الشارع الإسرائيلي على تحميل حكومة نتنياهو المسؤولية المباشرة عن الفشل، محذرًا من أن أي "خيارات بديلة" لاستعادة الأسرى ستكون مقامرة خطيرة.
وأعتبر المختصان في أحاديث منفصلة مع صحيفة "الاستقلال"، أمس الاحد، أن ما يجري هو مرحلة مناورات سياسية وعسكرية، قد تُمهّد لجولة تفاوض جديدة أو لتصعيد ميداني واسع، مشددين على أن واشنطن لا تزال تمارس ضغوطًا سياسية لتحسين شروط "إسرائيل" قبل اتخاذ قرارات حاسمة.
وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد صرّح، الأحد، بأنه لا يعلم ما ستؤول إليه الأوضاع في غزة، معتبرًا أن على "إسرائيل" اتخاذ قرارها بشأن الخطوات المقبلة، خاصة بعد انسحابها من مفاوضات وقف إطلاق النار . وزعم إلى أن حركة "حماس" أظهرت موقفًا متشددًا، قائلاً إنهم "لا يريدون إعادة الرهائن"، داعيًا إلى مواصلة دعم إسرائيل.
وأدعى ترامب عدم وجود مجاعة في غزة، معتبرًا أن "الأمر ربما يتعلق بسوء تغذية بسبب سرقة حماس للمساعدات"، مؤكّدًا أنه تحدث مع نتنياهو بشأن إدخال المساعدات، مع تعهّد بتقديم دعم إضافي، مطالبًا الدول الأخرى بالمشاركة.
وكان ترامب قد اتهم، في وقت سابق، حماس بعدم رغبتها في التوصل إلى اتفاق، قائلاً: "أعتقد أنهم سيسقطون". من جهته، قال المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف إن رد حماس على المقترح الأخير يعكس "عدم نيتها" في إنجاح المفاوضات، مشيرًا إلى دراسة واشنطن "خيارات بديلة" لاستعادة الاسرى وتهيئة بيئة أكثر استقرارًا في غزة.
في السياق أكد رئيس حركة "حماس" في قطاع غزة، خليل الحية، أن المقاومة سخّرت كل أدواتها وعلاقاتها على مدار 22 شهرًا لوقف العدوان على غزة، لكن الاحتلال قابل ذلك بالإبادة والتجويع والتعنت في المفاوضات.
وأوضح الحية، في تصريحات صحفية، أمس الأحد، أن الحركة أبدت مرونة كبيرة خلال المفاوضات، خاصة في ملفات الانسحاب والأسرى والمساعدات، لكنها فوجئت بانسحاب الاحتلال من التفاهمات، بتنسيق مع المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف، بهدف إضاعة الوقت وتكريس معاناة الفلسطينيين.
وشدّد على أن استمرار الحصار وعرقلة دخول الغذاء والدواء يُفقد المفاوضات معناها، مطالبًا بفتح المعابر فورًا وبشكل كريم، ورافضًا ما وصفه بـ"مسرحيات الإنزال الجوي". كما اتهم الاحتلال بالسعي لفرض منطقة عازلة في رفح تمهيدًا لمخطط تهجير جماعي، محذرًا من استخدام آلية المساعدات كأداة للقتل.
طرح غير واقعي
أكد الكاتب والمحلل السياسي د. عمر جعارة أن تحميل المقاومة الفلسطينية مسؤولية فشل مفاوضات إطلاق سراح الأسرى ليس أكثر من محاولة مكشوفة من الولايات المتحدة لتبرئة الاحتلال الإسرائيلي، رغم أن الشارع الإسرائيلي ذاته يحمّل حكومة نتنياهو – بشكل مباشر – مسؤولية العرقلة.
وقال جعارة، في حديثه لـ"الاستقلال"، إن تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ومبعوثه ستيف ويتكوف، تنسجم مع السياسة الأمريكية الثابتة التي تعتبر حركة حماس "منظمة إرهابية"، مشيراً إلى أن واشنطن لا يمكن أن تقف إلى جانب الحركة في أي مفاوضات، مهما بلغت فاعليتها، وستظل تدعم 'إسرائيل" باعتبارها "حليفاً معترفاً به".
وأضاف: "ترامب يحمّل المقاومة فشل المفاوضات لتبرير الأمر، لكن الإسرائيليين يرفضون هذا الرأي ويحمّلون نتنياهو وحكومته المسؤولية المباشرة، معتبرين أنه يقاتل من أجل بقائه السياسي وليس مصلحة إسرائيل."
وأشار جعارة إلى أن العبارات المتداولة في الإعلام العبري تدين نتنياهو بشكل غير مسبوق، ومنها: "نتنياهو، يداك ملطختان بدماء أبنائنا"، و"أنت العائق الأول والأخير لعودة أبنائنا إلى بيوتهم"، مضيفاً: "هذه العبارات لم تعد تصدر عن المعارضة فقط، بل باتت رأياً عاماً مشتركاً في الداخل الإسرائيلي".
وحول الحديث الأمريكي والإسرائيلي عن "خيارات بديلة" لاستعادة الأسرى، شدّد جعارة على أن هذا الطرح "غير واقعي على الإطلاق"، مؤكداً أنه "لا توجد أي طريقة لاستعادة الأسرى من قبضة المقاومة الفلسطينية سوى من خلال صفقات تبادل".
وأوضح: "سواء في عهد الشهيد ياسر عرفات، أو أحمد جبريل، أو حركة حماس، كانت الوسيلة الوحيدة لإطلاق سراح الجنود الإسرائيليين هي التبادل"، مشيراً إلى أن "هذا ما فعله نتنياهو نفسه، وشارون، وإسحاق رابين".
ونوّه جعارة إلى أن الإعلام العبري ذاته نقل تهديدات واضحة من المقاومة، بأن المساس بالأسرى أو محاولة تحريرهم بالقوة سيعرض حياتهم للخطر، سواء من خلال تبادل إطلاق النار مع المهاجمين أو كرد فعل فوري من الأسرى أنفسهم أو آسريهم.
وفيما يتعلق بتصريحات نتنياهو حول "خيارات أخرى" بالتنسيق مع واشنطن، اعتبر جعارة أن ما يجري لا يعدو كونه مناورة سياسية وإعلامية تهدف إلى كسب الوقت، وامتصاص الغضب الداخلي في "إسرائيل"، ورفع سقف الضغط على المقاومة.
وشدد المحلل السياسي أن الخيار الوحيد المتاح هو العودة إلى طاولة المفاوضات وإتمام صفقة تبادل، مضيفاً: "أي رهان آخر سيكون مقامرة مكلفة، ولن يجلب نتائج سوى تعميق الأزمة الداخلية في إسرائيل، وتعقيد الوضع الإقليمي بأكمله".
مخاطر وحسابات دقيقة
يرى الكاتب والمحلل السياسي إسماعيل مسلماني أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يسعى من خلال تصريحاته الأخيرة إلى كسب دعم الداخل الأميركي، عبر تبنّي خطاب صارم تجاه المقاومة، يُرضي به اللوبيات المؤيدة لإسرائيل. كما يهدف، في الوقت ذاته، إلى تهيئة الرأي العام العالمي لتحميل حماس مسؤولية تعثّر المفاوضات، وبالتالي تخفيف الضغط عن الاحتلال الإسرائيلي.
وفيما يتعلق بالمبعوث الخاص ستيف ويتكوف، أوضح مسلماني لـ"الاستقلال" أن ظهوره إلى جانب ترامب في هذا الملف يعكس تحضيرًا مبكرًا لإعادة صياغة الدور الأميركي في المرحلة المقبلة، وأن ويتكوف قد يُستخدم كـ"جسر تفاوضي" يُعزّز سردية دعم إسرائيل، وربما يمهّد لتحركات عسكرية إذا فشلت المساعي الدبلوماسية.
واعتبر مسلماني أن انسحاب "إسرائيل" من المفاوضات لا يعني نهاية المسار التفاوضي، بل هو خطوة تكتيكية تهدف إلى الضغط على المقاومة، وإعادة ترتيب أوراق التفاوض، مؤكّدًا أن الوسطاء الإقليميين، مثل مصر وقطر، لا يزالان فاعلين، وإن كان ذلك يجري بعيدًا عن الأضواء.
وعن الحديث عن "خيارات بديلة"، قال مسلماني إن هذه الطروحات واقعية من حيث الفكرة، لكنها محفوفة بالمخاطر من حيث النتائج. وأوضح أن العمليات العسكرية الخاصة، رغم امتلاك إسرائيل لقدراتها، تبقى محدودة التأثير في بيئة معقدة كغزة. أما الوساطات الجديدة، فقد تشمل دخول أطراف مثل تركيا أو روسيا، وربما الاستعانة بقنوات غير رسمية لإحياء الاتصال.
وأكد أن ما يجري حاليًا هو مرحلة مناورات سياسية وعسكرية تهدف إلى تعديل موازين التفاوض قبل اتخاذ قرارات حاسمة، مشدداً على تصريحات ترامب ومبعوثه ويتكوف تُعد أدوات ضغط واضحة، لكن الباب لا يزال مفتوحًا، وقد نكون أمام أيام مفصلية: إما إتمام صفقة تبادل خلال أسبوع، أو اندلاع تصعيد ميداني يعيد خلط الأوراق على الأرض.
التعليقات : 0